منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

وكان متيقن الاعتبار بمقدار الكفاية فلا بد من التعميم كما انه بناء على كون الحجية هو الواصل ولو بالطريق يمكن القول بالتعميم والتعيين بمقدمات دليل الانسداد ، وبناء على كون الحجية الطريق ولو لم يصل لا بد من التعميم ورعاية الاحتياط في جميع الأطراف ولو لم يكن متيقن الاعتبار بمقدار الكفاية ثم ان الاستاذ (قده) في الكفاية جعل الطريق الواصل ولو بطريقه ، والطريق ولو لم يصل في عرض واحد وهو ممنوع إذ جعل الطريق الواصل ولو بطريقه يبتنى على عدم امكان الاحتياط إذ مع امكانه فلا تنتهي النوبة الى الاقتصار على متيقن الاعتبار ونصب الطريق ولو لم يصل مبني على امكان الاحتياط فافهم وتأمل.

التنبيه الثالث : لا اشكال ولا ريب في خروج الظن القياسي وإنما الكلام والاشكال في وجه خروجه بناء على الحكومة إذ بناء على الكشف فوجه الخروج واضح ، لأن بمقدمات الانسداد نستكشف ان الشارع جعل الظن حجه ما عدا الظن القياسي ، كما انه لا يرد الاشكال بناء على مسلك الاهتمام كما هو المختار فانه من المعلوم أن الشارع لم يكن له اهتمام بالواقعيات التي هى في مورد الظن القياسي كما انه لا يرد بناء على ما سلكه الاستاذ قدس‌سره من جعل الاحتياط شرعا إذ نتيجته هو القول بالكشف.

وقد عرفت عدم جريانه على القول بالكشف وإنما الاشكال يتجه على القول بالحكومة وتقريبه. أن الواقعيات لما كانت متنجزة بالعلم الاجمالي فتكون معلومة بالاجمال في تنجزها في حال الانسداد كالواقعيات المعلومة بالتفصيل في حال الانفتاح ، فاذا كانت كذلك فيجب على المكلفين الخروج

٣٢١

عن عهدتها ، والعقل لما حكم باتباع الظن فحينئذ كيف يخرج الظن القياسى عنه إذ يكون ذلك من التخصيص في حكم العقل مع انه من المعلوم أن حكم العقل غير قابل للتخصيص والاستاذ (قده) في الكفاية أجاب عن ذلك ان حكم العقل لم يكن منجزا تنجزا فعليا بل حكم معلق على عدم نصب طريق من الشارع ولكن لا يخفى.

انك قد عرفت ان تنجز الواقعيات بالعلم الاجمالي وحكم العقل باتباع الظن إنما يكون في مرحلة الاسقاط ، فاذا صار في مرحلته لا تناله يد التصرف من الشارع ، فاذا فرض ذلك كيف يكون الظن القياسي خارجا وليس ذلك إلا تخصيصا في حكم العقل.

نعم يتم جوابه عن الاشكال بناء على مسلك مؤسسية الدين ولكن هذا المسلك لم يتعرض له الاستاذ حتى يبني عليه بل نحن ذكرناه من باب الاحتمال وأيدناه وجعلناه من جملتها خ وحاصل الكلام انه بناء على الحكومة يتوجه الاشكال (١) إلا انه إن كان بمناط الاهتمام فلا يمكن اخراج الظن

__________________

(١) وحاصله انه يلزم بخروج الظن القياسي تخصيص لحكم العقل والأحكام العقلية غير قابلة للتخصيص بناء على الحكومة ولكن لا يخفى انه لا مجال لهذا الاشكال.

بيان ذلك ان المستفاد من الأدلة الدالة على عدم اعتبار الظن القياسي اما ان تكون بنحو الموضوعية أو بنحو الطريقية. ومعنى الموضوعية هو الأخذ بالظن القياسي في قبال الأئمة عليهم‌السلام ، ومن الواضح ان الأخذ بهذا النحو فيه مفسدة لا بمعنى المفسدة السلوكية ، فعليه لا مجال

٣٢٢

القياسي حيث أن العقل حاكم بأن الظن حجة فيما إذا كان محتملا للتكليف فحينئذ يقطع باهتمام الشارع ولكن الشأن في ذلك إذ مع نهي الشارع عن العمل بالظن القياسي لا يبقى مجال للقطع باهتمام الشارع كي يكون موردا لحكم العقل بل يكون كالشك البدوي في أصل الاهتمام كما انه لا يرد الاشكال بناء على تقريب الحكومة لمناط منجزية الاحتمال كما هو في الاحتمال قبل الفحص إذ حكم

__________________

لهذا الاشكال. وأما بناء على الطريقية فيمكن ان يقال في مقام الجواب انه إنما ردع عن العمل بالظن القاسي لكونه اكثر خطأ للواقع ولكن لا يخفى انه بذلك لا يندفع الاشكال ، فالتحقيق في الجواب عن هذا الاشكال انه بناء على الكشف من قيام الادلة على عدم اعتبار الظن القياسي يوجب تقييد موضوع الحجة بعدم الظن القياسي. وأما بناء على الحكومة. فنقول : الظن الذي حكم به العقل عبارة عن الظن الحاصل من سبب متعارف لا ما يحصل من النوم ونحوه الذي لا يمكن الركون اليه فحينئذ من قيام الادلة الدالة على عدم اعتبار الظن القياسي نستكشف عدم حصول مثل هذا الظن الحاصل من السبب المتعارف وان القياس ليس سببا متعارفا.

وبالجملة ما حكم به العقل شيء مقيد لا مطلق فلم يقع الاشكال في خروج الظن القياسي ، فبقيام الادلة نستكشف خروجه من اول الامر ويكون من باب التخصص لا من باب التخصيص ، وبذلك قال شيخنا الاستاذ المحقق النائيني (قده) وانه هو الحق في الجواب ، واما الاجوبة الستة التي تعرض لها شيخنا الانصاري (قده) ، فالظاهر انها كلها مخدوشة تظهر بالتأمل فتأمل.

٣٢٣

العقل في المقام من الأحكام المعلقة على عدم الترخيص الواصل من الشارع لا معلقة على عدم نهي الشارع عن العمل بالظن.

نعم يتوجه الاشكال على مسلك التبعيض في الاحتياط بمناط منجزية العلم الاجمالي ولزوم الأخذ بالأقرب في مقام اسقاط التكليف فانه لا يعقل اخراج الظن القياسي وليس له دافع لذلك إلا الالتزام بتعليقية حكم العقل أو استكشاف جعل البدل من النواهى.

وبالجملة لا مدفع عن هذا الاشكال على تقدير تسليمه على بعض المسالك إلا بالتزام بتعليقية حكم العقل في فرض الانسداد على عدم تحقق نهي من الشارع ، وأما مع فرض تنجيزية حكمه لا بد من الالتزام بكلية النتيجة وعدم خروج الظن القياسي كما لا يخفى.

التنبيه الرابع : في انه إذا قام ظن على عدم حجية ظن فهل نتيجة دليل الانسداد هو حجية الظن المانع أو الممنوع أو الأقوى منهما أو التساقط وجوه (١).

__________________

(١) الظاهر ان نتيجة دليل الانسداد يختص بالمانع ولا يعم الممنوع.

بيان ذلك ان الظن المانع بالنسبة الى الظن الممنوع كالحاكم بالنسبة الى المحكوم ، ومن الواضح تقديم الحاكم وسره هو ان دليل الحاكم شموله للظن المانع يوجب خروج المحكوم عن الدليل موضوعا ، اما بلفظه او بنحو الالتزام بخلاف دليل المحكوم فانه لا يوجب خروجه موضوعا.

والحاصل ان دليل الانسداد لما شمل الظن المانع أوجب خروج الظن الممنوع عن الدليل موضوعا.

٣٢٤

فنقول : انه يختلف الحال بحسب المسالك :

فعلى المسلك الأول ـ الذي هو منجزية العلم يكون المدار هو الظن بالمانع ، لأن الظن بالمانع لا يقتضي إلا عدم منجزية الظن بالممنوع بالتكليف من دون اقتضاءه لمخالفة العلم الاجمالي فلا يقتضي إلغاء الظن بالممنوع بناء على التبعيض بل لا بد من الأخذ بالظن بالممنوع في مقام العمل.

وأما بناء على المسلك الثاني ـ الذي هو عبارة عن منجزية ما يعم العلم فيكون المدار على الظن بالمانع لأنه بناء على ذلك يكون تعيين الطريق موكولا الى حكم العقل.

وقد عرفت أن العمل قد عين ان نتيجة دليل الانسداد هو مظنون الاعتبار لا موهومه وبقيام الظن على عدم ظن آخر يكون الظن الممنوع موهوم

__________________

ودعوى انهما في مرتبة واحدة ممنوعة فان كل حاكم مع المحكوم قبل شمول الدليل في مرتبة واحدة كما في الشك السببي والمسببي فانهما قبل شمول دليل الاستصحاب في مرتبة واحدة اعنى مرتبة الشك ولكن بعد شمول دليل الاستصحاب للشك السببي اوجب خروج الشك المسببي عن الدليل موضوعا ، وهكذا في المقام فان الظن المانع مع الممنوع قبل ملاحظة دليل الانسداد في مرتبة واحدة ولكن لما كانت نتيجة دليل الانسداد ان لا يكون قاطعا عن الخلاف ، فمن شموله للظن المانع تحقق القاطع على الخلاف فيلزم خروج الظن الممنوع عن دليل الانسداد موضوعا ومن هنا يعلم وجه تقديم الظن المانع على الممنوع ولا يحتاج الى الالتزام بتقديم ما هو الاقوى منهما لما هو معلوم ان دليل الحاكم مقدم على المحكوم ولو كان اضعف فافهم وتأمل.

٣٢٥

الاعتبار فيخرج عن دائرة الظن الذي هو حجة.

وأما بناء على المسلك الثالث ـ وهو كون المنجز هو الاحتمال المهتم به أيضا يكون المدار على الظن بالمانع دون الظن بالممنوع لأن قيام الظن على عدم الحجية يكشف أن التكليف في مورد الظن الممنوع ليس مما اهتم به فيخرج عن دائرة الظن الذي هو حجة ونظيره ما عرفت في الظن القياسي على هذا المسلك.

وأما بناء على المسلك الرابع ـ وهو كون المنجز من اساس الدين فأيضا يكون المدار هو الظن المانع لأن الظن بالممنوع إنما يؤخذ به مع عدم الأخذ بالمانع فالأخذ به معلق على عدم الأخذ بالظن بالمانع لأن العقل لا يحكم بحجية ظن احتمل المنع منه فضلا عن الظن به ففي مورد لم تف الظنون لا بد من التنزل الى الشك إما مطلقا أو بمقدار الاحتياج ولم يرجع الى الظن بالممنوع فيرجع حينئذ الى الشك مثلما لو فرض عدم تحقق اصل في المقدار الوافى إذ العقل لا يفرق في تنزله الى مرتبة الشك بين فقد أصل الظن أو فقد قيده وهو حجيته.

نعم لو كان حكم العقل بتنجز حجيته بمقدار واف وتعليقيته بالنسبة الى الزائد فلا بد وان يلاحظ الاحتياج في الظن بالممنوع بظن آخر فان احتيج اليه فلا محيص عن ارتفاع الظن بالمنع وإلا فلا محيص من طرحه.

وأما بناء على المسلك الخامس ـ الذي ذكره الاستاذ (قده) وهو التنجز بالاحتياط الشرعي فيكون المدار ايضا على الظن بالمانع دون الظن بالممنوع لأنه على هذا المسلك نتيجة دليل الانسداد هو الكشف فيمكن عروض

٣٢٦

التخصيص على ما هو المجعول شرعا فيكون الدليل كاشفا عن حجية الظن ما عدا الظن الممنوع.

وكيف كان وقد عرفت منا سابقا تعليقية حكم العقل في باب الانسداد على عدم قيام دليل أو حجة على المنع منه فلا بد من تقديم المانع إذ تنجزه يكون صالحا للردع عن الظن الممنوع ونتيجة ذلك هو ان حكم العقل في أحدهما تنجزي ، والآخر تعليقى ، ومن الواضح ان تنجزية أحدهما يقدم على تعليقية الآخر. فلذا يختص الاشكال في المقام بناء على مسلك التبعيض في الاحتياط حيث انه بناء عليه يكون المنجز هو العلم الاجمالي وبعد تنجيزه يحكم العقل بالأخذ بالأقرب في مقام تحصيل الفراغ فحينئذ لا يعقل مجيء الترخيص على الخلاف ، فلذا لا محيص عن الأخذ بالممنوع وطرح المانع لكونه منجزا فلا يمكن الجمع بينهما ، ولكن لا يخفى ان الظن المانع بتنجزه يقدم قهرا على الظن الممنوع إذ لا مانع له في هذه المرتبة إلا الممنوع الذي قد عرفت استحالة صلاحيته المانعية عنه إذ بدخول الظن المانع تحت دليل الانسداد وحكم العقل فيه بالحجية يوجب رفع الموضوع في طرف الممنوع كما هو أوضح في أن يخفى.

التنبيه الخامس : انه لا فرق في كون الظن حجة سواء كان الظن بالحكم ناشئا من امارة أو من آية أو رواية أو من قول لغوي لو أوجب ظن بمراد الشارع من لفظه وهذا واضح لا يعتريه شك ولا شبهة ثم لا يخفى ان الاستاذ (قده) في الكفاية قد تعرض الى استقلال العقل بتقليل الاحتمالات من حيث السند والدلالة أو الجهة مهما أمكن وعقد له تنبيها فقال ما لفظه :

٣٢٧

«لا يبعد استقلال العقل بلزوم تقليل الاحتمالات المتطرفة الى مثل السند أو الدلالة أو جهة الصدور مهما أمكن في الرواية وعدم الاقتصار على الظن الحاصل منها بلا سد بابه فيه بالحجة من علم أو علمي وذلك لعدم جواز التنزل في صورة الانسداد الى الضعيف مع التمكن من القوى أو ما يحكمه عقلا فتأمل جيدا».

أقول : ان التعليل ممنوع إذ الأمر يرجع الى كون الظن بالحكم الفرعي الواقعي سواء قلت الاحتمالات أم لا ، هذا ويمكن المناقشة بأن تقليل الاحتمالات يوجب قوة الظن الذي تعلق بالواقع.

وقد عرفت فيما تقدم كون النتيجة متعينة في الظن الأقوى ولا اطلاق فيها ولا تعميم وحينئذ يلزم تقليل الاحتمالات لتحصيل تلك المرتبة التي يوجب تعيين حجية الظن فيه وهي مرتبة القوة على ان هذا التعليل يوجب تقليل الاحتمالات حقيقة فيما إذا كان موجبا للفحص. وأما إذا كان موجبا لتقليلها حكما كما إذا كانت الحجة علميا فاقتضاؤه للفحص محل اشكال إذ لو لم يكن الظن بحالة وبمرتبة لا يقوى على الفحص لا يحكم العقل بوجوبه فلا يكون موجبا لحكم العقل.

والحاصل ان اعتبار ما يورثه الظن بالحكم الفرعي يختص فيما ينسد به باب العلم مثلا قول اللغوي يكون حجة فيما يوجب الظن بالحكم الفرعي مع فرض الانسداد فلا تغفل.

التنبيه السادس : ان جريان مقدمات الانسداد انما تجري في مقام الاثبات لا في مقام الاسقاط والفراع إذ المرجع في ذلك الى قاعدة الاشتغال لو لم تكن مثل قاعدتي الفراغ والتجاوز لعدم كفاية الظن بالفراغ والظاهر انه مما لا اشكال فيه وان نسب الى شيخنا الأنصاري (قده) من حجية الظن

٣٢٨

الاطمئناني نظرا لجريان بناء العقلاء ، ولكن لا يخفى انه محل نظر.

نعم يمكن حمله على ما يكون مثل الضرر الذي صار موضوعا لأحكام كثيرة كجواز التيمم والافطار والصلاة بالنجس أو من جلوس ونحو ذلك ، فانه يمكن دعوى العمل بالظن عند انسداد باب العلم بالأحكام مع ان اجراء اصالة العدم يوجب الوقوع فيه ولكن ذلك يتم لو لم نقل باناطة الأحكام على خوف الضرر وظنه لا على الضرر الواقعي وإلا فلا تجري مقدمات الانسداد وحاصل الكلام ان مقدمات الانسداد انما تجري في نفس الأحكام الكلية لا في تطبيق تلك الاحكام على ما المأتي به مثلا لو شك في وجوب صلاة الجمعة وقد حصل له الظن بوجوبها ، فمع فرض الانسداد يجب به لكون الظن حجة لا الظن باتيانها مع القطع بوجوبها. قال الاستاذ (قده) في الكفاية ما لفظه : «إنما الثابت بمقدمات دليل الانسداد في الاحكام هو حجية الظن فيها لا حجيته في تطبيق المأتي به في الخارج معها فيتبع مثلا في وجوب صلاة الجمعة يومها لا في اتيانها بل لا بد من علم أو علمي باتيانها» ومثل ذلك لو شك في الموضوعات الخارجية كالشك في كونه ترابا خالصا والشك في الجهة المعينة للقبلة الى غير ذلك من المقامات الراجعة الى الشك في تطبيق تلك المفاهيم الكلية عليها. فقد عرفت انه لا يجدي الظن بها فلا تغفل.

التنبيه السابع : في أن الظن في حال الانسداد متبع في الفروع وغير متبع في الاصول التي يطلب فيها صرف الاعتقاد لكونها من الامور الاعتقادية التي لم يطلب فيها إلا العمل الجوانحي لا الجوارحي فانه وإن انسد باب القطع إلا انه لم ينسد باب الاعتقاد اجمالا بما هو واقعه والانقياد له بخلاف العمل

٣٢٩

الجارحي فانه لا يمكن فيه الانقياد والموافقة إلا بالاحتياط ، والمفروض عدم وجوبه شرعا أو عقلا ، وهذا واضح لا اشكال فيه ، وإنما الكلام الذي يجب التنبيه عليه أن المنكر لبعض ضروريات الدين هل يحكم بكفره مطلقا أو فيما إذا كان انكاره موجبا لتكذيب النبي (ص) وكلمات الأصحاب في هذا المقام مختلفة والذي ينبغى أن يقال ان هذا المنكر إن كان ناشئا بين المسلمين فيحكم بكفره بمجرد الانكار لأن انكاره راجع الى تكذيب النبي (ص) إذ يبعد في حقه الجهالة وان لم يكن ناشئا بين المسلمين لم يحكم بكفره إذ لم يكن راجعا الى تكذيب النبي (ص) وهذا هو الموافق لما استظهرناه من الأدلة ثم لا يخفى ان غير المقر بالشهادتين لو كان قاصرا لم يحكم باطنا بكفره ولكن محكوم بالكفر ظاهرا إذا الاسلام مترتب على الاقرار الظاهري وهو لم يتحقق.

فان قلت : ورد عنهم (ع) : ان الناس إذا لم يجحدوا لم يكفروا ، فعليه لم يحكم بالكفر مع عدم الجحود.

قلت : انه محمول على الكفر الباطني ، وكيف كان لا ثمرة للحكم بالكفر وعدمه بعد القطع بعدم وجود القاصر لأنا نقطع انه لا بد لكل أحد من الالتفات الى أنه لا بد له من موجد ، ورازق ، ومدير ، ومع هذا القطع كيف يتحقق وجود القاصر ، ثم لا يخفى انه على تقدير تنزلنا الى العمل بالظن لا دليل على لزوم الانقياد والتدين بالمعرفة الظنية بل لا يمكن التدين بها لدوران الأمر بين محذورين إذ نبوة شخص مظنونة يجامع احتمال العدم فيدور الأمر بين الأخذ بالظن أو الاحتمال فيكون الأمر دائرا بين محذورين واذا دار الامر بينهما يحكم العقل بالتخيير.

٣٣٠

نعم يمكن أن يقال : بأن العقل يحكم بالتخيير فيما إذا لم يكن في أحد الاحتمالين رجحان ، وأما اذا كان في أحدهما رجحان كما في المقام لا يحكم العقل بالتخيير بل يحكم بالاخذ بالراجح وهو في المقام الظنى فيحكم العقل باتباعه.

والحاصل ان العمل بالظن في الاصول الاعتقادية تتوقف على تمامية مقدمات الانسداد وتماميتها غير معقول لأن من المقدمات عدم امكان الاحتياط لكي يوجب الدوران بين الاخذ بالمظنون أو بالموهوم وبقاعدة الترجيح بلا مرجح يوجب الأخذ بالمظنون وفي المقام لا يتصور ذلك الدوران لا مكان الاعتقاد به اجمالا.

بقي الكلام في جابرية الظن (١) وموهنيته ومرجحيته وان كان خارجا

__________________

(١) لا يخفى ان الشهرة تارة ترجع الى ناحية الدلالة واخرى ترجع الى ناحية السند.

اما الاول ـ فلا اعتبار بها حيث انه لا توجب ظهورا للفظ الذي هو مناط الحجية. واما من ناحية السند فنقول : الشهرة تارة روائية واخرى استنادية وثالثه مطابقية ، ومعنى الشهرة الروائية هو ما تكون متداولة في الاصول مروية عن الأئمة الاطهار عليهم‌السلام ، والاستنادية هو ما يعلم كون الفتوى مستندة الى رواية خاصة ، والمطابقية هو كونه من باب الاتفاق مطابقة للرواية اما الاخير فلا اشكال في كونها غير جابرة. واما الاولان فالظاهر انهما يجبران الرواية وبسببهما يوجب الوثوق فيحصل للخبر فرد ومصداق. واما تشخيصها وهو ان الرواية اذا ذكرت في الاصول التي هي مروية عن الأئمة (ع) فهي شهرة الرواية ولا عبرة بذكرها في المجاميع التي دونت متأخرة عن الاصول ، واما الاستنادية

٣٣١

عن دليل الانسداد ولكن جريا على عادة الاصحاب في ذكره ملحقا بدليل الانسداد.

__________________

فتشخيصها بالتفحص في كتب القدماء فان ديدنهم على التعرف الى باب ويتعرضون الى الرواية ، فيفهم من ذلك ان الفتوى مستندة الى تلك الرواية ولا عبرة بمن تأخر عن الطبقة الاولى وان كانوا ادق نظرا منهم كمثل الطبقة الوسطى فانهم اساطين الفن كالعلامة ، والشهيدين وامثالهم رضوان الله عليهم. وكيف كان فربما يشكل ويقال بأن الشهرة الاستنادية قليلة حيث انه لم يعلم استناد الفتاوى الى رواية خاصة فلعلهم استندوا الى رواية اخرى.

نعم تكون من الشهرة المطابقية ولكن لا يخفى ان من تفحص وتتبع ووجد فتوى مخالفة للقواعد والاصول ثم وجد رواية في الباب فانه يحصل له العلم الاطمئناني بأن تلك الفتاوى مستندة الى الرواية التي وجدها ويظهر لمن تفحص كثيرا كمثل فتوى الفقهاء بالتخيير بين الرد والارش في باب الخيارات مع انه لم توجد رواية إلا في فقه الرضوي ومثل اغتسال المرأة في الليل وهو يغني عن الغسل مع انه ليس فيها إلا رواية في الفقه الرضوي الى غير ذلك من الفتاوى المخالفة للقواعد والاصول وليس الإفتاء بها إلا للرواية الخاصة المروية في مثل فقه الرضوي فيعلم ان استناد تلك الفتاوى الى تلك الروايات.

ومما ذكرنا ربما يظهر انه قد يوجب الوثوق بالفقه الرضوي. واما الكلام في ان الشهرة هل تكون كاسرة وموهنة للخير المخالف ام لا. اما بالنسبة الى السند فكونها موهنة مشروط بثلاثة شروط :

٣٣٢

__________________

الاول ـ ان تكون الشهرة من القدماء لا من المتأخرين اذ لو كانت من المتأخرين لا تضر بالرواية.

الثانى ـ ان تكون الرواية بمسمع وبمرأى من القدماء فلو لم تكن عندهم وحصل فيما بعد كالاشعثيات ودعائم الاسلام وفقه الرضوي وحصل الاعراض لعدم حصوله فيما بين ايديهم لا يكون اعراضهم مخلا.

الثالث ـ ان لا يكون اعراضهم عن الروايات لاجل عدم توثيق رجال السند. فلو فرضنا انه كان بنظرنا ثقات فلا يضر اعراضهم وباجتماع هذه الامور لا اشكال في كون الشهرة كاسرة.

بيان ذلك ان اعراض القدماء مع ان الرواية بمرأى وبمسمع منهم وانه لا يعلم كون اعراضهم لاجل عدم توثيق رجال السند دليل ان ذلك يوجب وهنا وضعفا في الرواية. واما الشهرة في الدلالة فقد ذكر الاستاذ النائيني (قده) فيما سبق ان المختار كون الشهرة كاسرة للدلالة بتقريب ان الشهرة لما كانت على خلاف الظهور فتحتمل وجود قرينة متصلة قد خفيت علينا والظهور لا يوجب إلا الظن ومع تحقق هذا الاحتمال ترتفع حجية هذا الظهور ولكن الانصاف إن كانت الشهرة على نحو الشهرة الحاصلة للمرءوسين على خلاف ظهور كلام رئيسهم فحينئذ يستكشف ان تحققها قرينة على خلاف ذلك الظهور فان طريقة العقلاء مبنية على ذلك.

نعم الشهرة على هذا النحو لا تكشف عن مراد الرئيس وانما تكشف عن خلل في الظهور وان لم تكن الشهرة وصلت الى تلك المرتبة فكونها كاسرة محل اشكال وبذلك تم ما يراد بيانه في مبحث الظن من تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني (قده) وهذا آخر ما حصل لنا من التعليق على هذا الجزء من كتابنا (منهاج الاصول) والحمد لله رب العالمين.

٣٣٣

فنقول ومن الله الاستعانة : ان الظن لا يكون جابرا بناء على ان دليل اعتبار الرواية من حيث كون سنده صحيحا من غير اعتبار الوثوق بصدورها ومطابقتها للواقع إذ عليه لا يختلف الحال في أن هناك ظن أم لا وكذا بناء على ان دليل الاعتبار من حيث أن فيه صفة الوثوق النوعي إذ عليه ان هذا الوثوق يحصل ولو لم يكن هناك ظن فالظن وجوده وعدمه سواء ، وكذا بناء على الوثوق الشخصي ولكن كان الوثوق الذي هو محقق للاعتبار ما كان ناشئا من الامارات الداخلية كما هو المختار أيضا لا يكون الظن الخارجي جابرا وأما لو قلنا : بأن اعتبار الامارة من حيث الوثوق الشخصي ، والوثوق المعتبر أعم من الخارج والداخل يكون الظن جابرا ، وكيف كان فالظن الحاصل من الشهرة على تقدير الجبر ليس عن مطلق الشهرة بل الشهرة الروائية لا الفتوائية إذ الشهرة الفتوائية غير قابلة للجبر في غير فرق بين السند والدلالة ، أما جبر السند فظاهر انه لا يفيد ولا يجبر بها لان الشهرة الفتوائية لا تصير الرواية موثوقة الصدور ، وأما الدلالة فاعتبارها بالظهور فتدور الحجية مدار الظهور ، فان كان حاصلا تكون الحجية حاصلة ، وان كان مفقودا تكون الحجية مفقودة ، وهذا لا يفرق فيه بين كون الشهرة مطابقة له أم لا.

وبالجملة الشهرة في الفتوى لا أثر لها وإنما الذى تصلح للجبر الشهرة الاستنادية.

على ما عرفت منا سابقا بأن تكون الفتوى مستندة الى الخبر. وأما الكلام في الموهنية كالكلام في المرجحية حرفا بحرف ، وانها تعرف في مباحث التعادل والتراجيح. وسيأتي البحث عنها ان شاء الله تعالى. هذا كله فيما إذا كان الظن غير منهيا عنه ، وأما لو كان منهيا عنه فلا ينبغى الاشكال

٣٣٤

في انه غير معتد به وليس له قابلية للجبر والترجيح كما لا يخفى. هذا ما أردنا

بيانه من مبحث الظن ، والى هنا ينتهي الكلام في الجزء الثالث من

كتابنا المسمى ب (منهاج الاصول) ونسأله التوفيق لاخراج بقية

الاجزاء ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلا

م على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وقد

وقع الفراغ منه في جوار مرقد سيد الوصيين

أمير المؤمنين (ع) بقلم مؤلفه

الراجي عفو ربه

محمد ابراهيم نجل المرحوم الحاج شيخ علي الكرباسي

طاب ثراه

٣٣٥

فهرس الجزء الثالث

من كتاب منهاج الاصول

الصفحة

الصفحة

المقدمة

٤١

كفاية الاثر التقديري في مقام التنزيل

٣

احكام المكلف

٤٤

قيام الاصول مقام القطع

٧

تثليث الاقسام

٤٦

الملازمة بين حكم العقل والشرع

٩

بيان مجاري الاصول

٤٩

الحسن والقبح الذاتيين

١٠

المقصد الاول في القطع

٥١

العقل يحكم بالحسن والقبح

١٢

وجوب متابعة القطع

٥٥

انكار الملازمة الواقعية

١٣

لا يؤخذ القطع في القياس

٥٧

الثمرة بين القولين

١٦

صحة وقوع الظن في القياس اقسام القطع

٦٠

مبحث التجري

١٩

المقام الاول في القطع الطريقي

٦٣

قبح التجري عقلى

٢١

نتيجة التقييد والاطلاق

٦٧

الفرق بين الاوامر الارشادية والمولوية

٢٥

توقف التناقض على العلية

٧١

 قبح التجري يسري الى الفعل الخارجي

٢٩

لا يؤخذ القطع في موضوع حكم نفسه ومثله وضده

٧٥

الثمرة بين القولين

٣١

قيام الامارات والاصول مقام القطع

٧٦

الموافقة الالزامية

٣٥

حكومة الامارات على الاصول

٧٩

وجوب الموافقة الرجائية

٨٠

العلم الاجمالي

٨٣

وجوب الموافقة القطعية

٣٣٦

الصفحة

الصفحة

٨٧

العلم الاجمالي علة للموافقة القطعية

١٥٩

ماء الاستنجاء نجس معفو عنه

٩١

تقديم الموافقة القطعية

١٦٣

حجية الظواهر لمن لم يقصد افهامه

٩٧

العلم الاجمالي لتنجز التكليف

١٦٥

حجية ظواهر الكتاب

٩٩

فيما لو علم بغصبية الماء او نجاسته

١٦٩

حجية قول اللغوي

١٠١

حكم الاصحاب بالتصنيف

١٧١

الاجماع المنقول

١٠٥

المقصد الثاني في الظن

١٧٣

أدلة حجية الخبر لا تشمل الاجماع المنقول

١٠٨

امكان التعبد بالظن

١٧٥

حجية الشهرة

١١١

بيان صورة الانفتاح والمراد منه

١٧٧

لا دليل على حجية الشهرة الفتوائية

١١٥

الحكم الواقعي ليس في مرتبة الظاهري

١٧٩

حجية الخبر الواحد

١٢١

الامارة على نحو السببية

١٨٣

بيان ملاك المسألة الاصولية

١٢٣

اجوبة القوم عن محذور الجمع بين الحكمين

١٨٥

حكومة ادلة حجية الخبر

١٢٥

بيان المختار من دفع شبهة التضاد

١٨٧

ادلة المانعين لحجية خبر الواحد

١٢٧

الجواب عن شبهة ابن قبة

١٩١

 الاستدلال بمفهوم آية النساء

١٣٣

 احتمال المنجزية منجز

١٩٥

 إثبات المفهوم بطريق الوصف

١٣٩

وقوع التعبد بالظن

١٩٧

 اثبات المفهوم بطريق الشرط

١٤٣

الاستصحاب يقدم على القاعدة

٢٠١

التعارض بين المفهوم والتعليل

١٤٩

التشريع من العناوين القصدية

٢٠٥

الاشكال في شمول الآية لخبر السيد

١٥١

اصالة حرمة العمل بالظن

٢٠٩

الاشكال في شمول الآية لخبر الواسطة

١٥٢

حجية الظواهر

٢١١

الجواب عن الاشكال المذكور

١٥٥

للظواهر جهات ثلاث

٢١٧

تقريب الاشكال المذكور بوجه ادق

١٥٧

لا يعتبر الظن الفعلي في الظهور

٢٢١

التحقيق في الجواب عن الاشكال

٣٣٧

الصفحة

الصفحة

٢٢٥

الاستدلال بآية النفر

٢٨١

بيان مراتب الاحتياط

٢٢٧

دلالة آية النفر على وجوب التقليد

٢٨٣

الاجماع على عدم وجوب الاحتياط

٢٢٩

دفع الاشكالات على آية النفر

٢٨٥

الترخيص بمناط الاجماع

٢٣١

دلالة آية الكتمان على حجية خبر الواحد

٢٩٣

التخيير بين الدوائر الثلاث

٢٣٣

الاستدلال بآية السؤال

٢٩٩

تنبيهات الانسداد

٢٣٥

الاستدلال بآية الاذن

٣٠١

نتيجة الانسداد الظن بالواقع او بالطريق

٢٣٧

الاستدلال بالسنة على حجية خبر الواحد

٣٠٥

حجية الظن بالواقع

٢٣٩

الاستدلال بالاجماع على حجية خبر الواحد

٣٠٩

اهمال النتيجة او كليتها

٢٤١

الاستدلال على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي

٣١٥

كلية النتيجة بناء على الحكومة

٢٤٥

ملاك انحلال العلم الاجمالي

٣١٩

الاهمال في حكم العقل

٢٤٩

نسبة الامارات الى الاصول

٣٢١

التنبيه الثالث في الظن القياسي

٢٥١

حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتبرة

٣٢٥

التنبيه الرابع في حجية الظن المانع دون الممنوع

٢٥٤

حجية مطلق الظن

٣٢٧

التنبيه الخامس حجية الظن الحاصل من الرواية وغيرها

٢٥٧

الضرر نوعي أو شخصي

٣٢٨

التنبيه السادس حجية الظن في مقام الاثبات دون الاسقاط

٢٦١

المصالح نوعية أو شخصية

٣٢٩

التنبيه السابع حجية الظن في الفروع دون الاصول

٢٦٤

دليل الانسداد

٣٣١

جابرية الظن ومرجحيته وموهنيته

٢٦٧

منجزية الاحكام بالعلم الاجمالي

٣٣٣

جابرية الشهرة الروائية

٢٦٩

بيان المقدمة الثالثة

٢٧٣

الكلام في بطلان الاحتياط

٣٣٨